کد مطلب:187331 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:236

و سلاحه البکاء (27)
كمن یجمع الثمار المتساقطة من شجرة تعصف بها الریح من كل مكان، كان «ابن الزبیر» یراقب ما حوله و یجمع حوله الغاضبین علی «یزید» بینما شجرة الاسلام تهتز من الجذور.

كان «المختار» قد وصل حدیثا بعد ما أطلق سراحه فی الكوفة؛ رجل دفعته الأقدار لمساندة «ابن الزبیر» لا لشی ء سوی الثورة علی الظلم و الانتقام من قتلة أولاد الأنبیاء.

بدا ابن الزبیر سعیدا بتحالفه مع المختار، هتف ابن الزبیر بحلیفه الجدید:

- هیا بنا الی طریق القوافل... لقد بعثت من یأتینی بالأخبار.

قال المختار و هو یحدق فی الأفق البعید حیث تلتقی السماء بالأرض:

- أری فارسا قادما من بعید.

- أجل انه هو.

مرت لحظات یحسبها المنتظرون ساعات طویلة كان صدی



[ صفحه 103]



سنابك الحصان یرتفع شیئا فشیئا و الغبرة تقترب رویدا حتی اذا أصبح علی خطوات كبح الفارس جماح حصانه و هتف مبهور الأنفاس:

- دخل الجیش المدینة و استباحها ثلاثة أیام و قتل أكثر من عشرة آلاف من أهلها.. و عرض النسوة للبیع فی الأسواق.

عض المختار علی نواجذه غضبا:

- اللعنة علی المری.. لم أر أكثر منه جرأة علی الدماء.

قال الفارس:

- انتقم الله منه... مات بعد مغادرة المدینة و عین علی الجیش «الحصین بن نمیر» و أوصاه بالفتك بأهل مكة.

تمتم «ابن الزبیر»:

- الحصین لا یحتاج الی من یوصیه، انه لا یقل قسوة عن أسیاده.

التفت المختار الی صاحبه:

- ماذا تنوی أن تفعل؟

- نعتصم بالحرم فربما تردعهم حرمة الكعبة.

- ولكن هؤلاء لا یقیمون للكعبة وزنا!!

- سوف نری.. كما انه لیس بمقدورنا أن نفعل شیئا آخر.

و تمر الأیام ثقیلة مریرة، و لیالی مكة تموج بالقلق و الهم و الترقب، و السماء تنوء بسحب سوداء كتلال من الدخان.

وصلت الجیوش الغازیة، و أخذت مواقعها فوق رؤوس التلال



[ صفحه 104]



المشرفة و علی سفوح الجبال.

الجنود ینقلون المنجنیقات لتأخذ مواقعها فی القمم استعدادا لقصف المدینة التی بدت ذلك الصباح القاتم مقفرة تماما.

كان «الحصین بن نمیر» قائد الغزو یتطلع الی مكة و قد بدت الكعبة فی فنائها كشیخ یتعبد وحیدا.

نظر الی المنجنیقات الهائلة والی كتل الحجارة المنقوعة بزیت النار.. كل شی ء ینتظر اللحظة الفاصلة.

لوح ابن نمیر بسوطه فی الهواء معلنا بدایة المعركة و هتف بحماس:

- اقصفوهم بالمجانیق.

و انهمرت كتل ناریة علی بیوت المدینة و كان خط النار یقترب شیئا فشیئا من أول بیت وضع للناس... بیت بناه ابراهیم و اسماعیل.

كانت خطة الاحتلال تقضی بدك المدینة بالمجانیق ثم اقتحامها بسلاح الفرسان تساندهم قوات المشاة.

كانت حدة القصف تتصاعد و عینا القائد تشتعلان حقدا.

حاول ابن الزبیر بث الخلاف فی صفوف الغزاة. فأصدر أمرا بالاعتصام بالحرم.

كانت كتل النار تهوی فی واد غیر ذی زرع؛ زعق ابن نمیر و هو یری فتور القصف:

- اقصفوهم بشدة.

هتف جندی:



[ صفحه 105]



- انهم یعتصمون بالكعبة؟!

- اقصفوا الكعبة اذن... أیها الأحمق.

و أردف مبررا:

- نحن ننفذ أمر الخلیفة.. هل تفهم؟

كانت كتل النار تنفجر فی باحة الحرم.. تتشظی.. و شبت النار فی جدران الكعبة، و كانت السماء تشهد اصطكاك الغیوم فاشتعلت البروق و ضربت الصواعق منجنیقا فأحرقته مع جنود كانوا حوله.

أراد ابن نمیر حسم الموقف بدفع فرسانه و أعقبهم بالمشاة.

دارت معارك ضاریة فی الحرم، و قد شوهد المختار یقاتل ببسالة و هو یهتف فی جنوده:

- دافعوا عن بیت الله.

و فی ذری التلال كان ابن نمیر یتلقی نبأ وصله توا من دمشق:

- لدی نبأ هام أیها القائد.

- تكلم!!

لقد توفی الخلیفة.

بلع القائد ریقه و حشرج بصوت مكتوم:

- ماذا تقول؟!.. اكتم الخبر ما استطعت.

غیر ان خبرا كهذا لا یمكن اخفاؤه.. لكأن روح الشیطان تتراجع منذ اللحظة التی ذهب فیها یزید الی مصیره المجهول فی رحلة صید.



[ صفحه 106]